كيف يؤثّر فيروس كوفيد 19 على آفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

كيف يؤثّر فيروس كوفيد 19 على آفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

12 مايو 2020 07:17 م

كيف يؤثّر فيروس كوفيد 19 على آفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

هنالك انقسام ومشاعر مختلطة بين السياسيين والمتابعين لقضية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، فيما إذا كان ينبغي أن تبقى ضمن الاتحاد الأوروبي في أعقاب جائحة كورونا. وانتهت العلاقات السياسية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مع إعلان الانفصال وبداية المرحلة الانتقالية في الـ31 من شهر يناير الماضي 2020 عندما دقّت ساعة بيج بين الساعة 11:00 مساءً، وكانت تلك علامة نهاية نصف قرن تقريباً من عضوية المملكة المتحدّة في الاتحاد الأوروبي.

بداية، ما وصفه المعلّقون السياسيّون بأنه رحلة دوّارة، حيث توجهّت بريطانيا وبروكسل لتشكيل علاقة تجارية دائمة بين الطرفين. لكن، مع بداية انتشار فيروس كورونا في أوروبا وبريطانيا، تم إعادة استئناف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

استؤنفت المحادثات الجديدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من خلال مفاوضين من الطرفين، وذلك من أجل التوصّل لاتفاق تجاري دائم في الـ20 من شهر أبريل الماضي. لكن، تم تأجيل هذه المفاوضات بفعل انتشار فيروس كورونا لمدّة شهرين تقريباً.

وتم رفض إعادة تمديد الفترة الانتقالية التي حددت سابقاً لأن ذلك سيتطلّب مدفوعات ضخمة جداً من أجل تحفيزات التعامل مع فيروس كوفيد 19.

ويستمر المتحدّث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالإصرار على الإبقاء لموعد الانفصال التام تجارياً في الـ31 من شهر ديسمبر المقبل، لكن يعتقد المتابعون لقضية الانفصال بأن الموعد النهائي لفترة الانتقال قد يتم تمديده إلى عام 2021 أو حتى بعد ذلك.

واتفق ديفيد فروست ونظيره في بروكسل ميشيل بارنييه على أن كلا الفريقين يجب أن يستمّرا بالمفاوضات عن بعد عبر الانترنت، بعد فترة شهرين من عدم التواصل السياسي الرسمي إلا بشكل قليل. لكن، عدد قليل من المتابعين يتوقّعون بأن تضيّق هذه المفاوضات الفجوة بين الجانبين. علاوة على ذلك، فإنه يجعل الموعد النهائي في كانون الأول/ديسمبر المقبل صعب جداً مع بقاء أكثر قليلاً من 6 أشهر حتى الموعد النهائي الذي تم تحديده مسبقاً.

بأخذ ما حصل سابقاً بعين الاعتبار من الفترات الزمنية للمفاوضات، والخبرة في التعاملات السياسية بين الطرفين، يبدو بأن الفترة الزمنية المتبقية قليلة جداً. كما أن انتشار فيروس كورونا حالياً أجّل الألعاب الأولمبية وقمة المناخ 26 لمؤتمر الأطراف العالمي، فلماذا لا تستخدم فقرة في معاهدة الانسحاب من خطّة الخروج من الاتحاد الأوروبي لتمديد الموعد النهائي للانفصال لعام أو عامين. ومع اقترابنا من بقاء حوالي الست أشهر، يجب أن يتم الاتفاق على تمديد الفترة الانتقالية خلال أسابيع بحلول يونيو المقبل على أقصى تقدير, في حال بالفعل سيتم التمديد.

يعتقد البعض من السياسيين بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذا لزم الأمر، يجب أن يكون حتى لو لم يتم الاتفاق وإنتاج اتفاق تجاري بين الطرفين، وأن يتم الخروج دون صفقة. وعندها قد يكون الطرفان أمام الالتزام بشروط منظّمة التجارة العالمية، وهذه مجرّد نقطة إيديولوجية، لكن أيضاً هذا الأمر هو الذي يبقي على تماسك حكومة بوريس جونسون.

ويرى أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأن الاقتصاد على وشك تلقّي ضربة مزدوجة. لكن، يعتقدون بأن تأثيرات فيروس كورونا ستخفي التأثير الذي سيحدثه انفصال بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث أن فيروس كوفيد 19 سيتسبب بضرر كبير في الاقتصاد البريطاني مما يجعل أي تأثيرات لخروج بريطانيا يعتبر محدود مقارنة في تأثير فيروس كورونا.

قبل انتشار فيروس كوفيد 19 الكبير، اقترح أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي بأنه سيكون نمو كبير بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال تداول التجارة مع العالم وشراء الأغذية الرخيصة. لكن، جاء فيروس كوفيد 19 ليدمّر هذه النظرة، وستكون الأسواق العالمية في حالة من الفوضى الآن، وستتطلّع كل دولة إلى تنفيذ مصالحها أولاً، ولا يمكن حالياً أن يكون الأمر خلاف ذلك.

السؤال الكبير حالياً يتمحور فيما إذا كانت الحكومة البريطانية مضمونة في القوانين، والتي تتضمّن موعد الانفصال في الـ31 من شهر ديسمبر المقبل، وهل سيضل ذلك سارياً رغم حقيقة انتشار فيروس كوفيد 19؟ أضف إلى ذلك حقيقة مواجهة رئيس الوزراء البريطاني للموت عندما أصيب بفيروس كورونا المستجد، حيث وضع تحت المراقبة الطبية التي وضعت حياته على المحك باحتمال 50% نجاه مقابل 50% وفاة. واستطاع رئيس الوزراء البريطاني تخطّي المحنة، لكن مع دخول بريطانيا في الأسبوع السادس من الإغلاق الذي اتخذته بريطانيا لاحتواء الفيروس، وهنا لا يمكن أن نقول نفس الشيء عن الموعد النهائي في الـ31 من شهر ديسمبر.

كيف كان تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد؟

منذ استفتاء عام 2016، كان بريطانيا منقسمة بشدّة وغير قادرة على الاتفاق بشكل نهائي، حتى تحديد الموعد النهائي لمغادرة الاتحاد الأوروبي في الـ31 من شهر يناير عام 2020. كلفت هذه الانقسامات تيريزا ماي منصبها كرئيسة للوزراء، وخلفها بوريس جونسون، المؤيد القوي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كانت الآثار الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مجالًا رئيسيًا للنقاش خلال الاستفتاء على عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي.

الآثار على الاقتصاد الكلّي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: الآثار الفورية

هناك إجماع ، حتى بما في ذلك أنصار "الخروج من الاتحاد الأوروبي" ، على أنه ستكون هناك صدمة سلبية قصيرة المدى على الاقتصاد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، هناك خلاف واضح حول المدة المحتملة لهذا التأثير وما إذا كان سيكون له تكاليف محدودة فورية فقط أو سيكون له عواقب دائمة.

  • سيؤدّي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من عدم اليقين في الأسواق وتقلب العملات وردود فعل السوق المالية لأنها ستقلل من ثقة المستهلك. وحذّر بنك إنجلترا على وجه الخصوص ، من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى عدم الاستقرار المالي الذي قد يكون له آثار ضارة على الاقتصاد الكلي بسبب الانفتاح المالي للمملكة المتحدة.
  • في السابق، كانت أثّرت نتيجة الاستفتاء على التضخّم ودفعته في المملكة المتحدة إلى نسبة 1.7 نقطة مئوية في عام 2017 ، مما أدى إلى تكلفة سنوية إضافية تبلغ 404 جنيهًا إسترلينيًا للأسرة البريطانية المتوسطة. في عام 2018 تقدير أن التكاليف الاقتصادية للتصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت 2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

الآثار على الاقتصاد الكلّي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: الآثار على المدى الطويل

  • أشار أحدث نموذج للاقتصاد الكلي لعواقب وخيمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأنه ستكون هناك خسارة طويلة الأمد في الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد المملكة مقارنةً بتوقعات الوضع الراهن للبقاء بالكامل في الاتحاد الأوروبي والسوق الموحّدة.
  • تشير معظم التقييمات إلى خسائر كبيرة على المدى الطويل ، حيث أن زيادة الحواجز من شأنها أن تقلل التجارة والاستثمار والإنتاجية. النطاق الواسع للخسائر مقدّرة من 1.5 إلى 9.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ولا يوجد هنالك تعارض أو اختلاف جوهري بين الخبراء على أن الخروج سيكون مكلفًا ، ولكنه يعكس إلى حد كبير افتراضات مختلفة حول العلاقات الاقتصادية المستقبلية للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وبقية الدول. العالم.
  • أي خسائر ناتجة تزيد عن 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ستؤدي إلى خسائر مالية صافية للمملكة المتحدة، حيث أن انخفاض الإيرادات بسبب انخفاض الناتج سيؤدي إلى تعويض أي مكاسب ناتجة عن إلغاء صافي مساهمة المملكة المتحدة في ميزانية الاتحاد الأوروبي والتي تشارك بنسبة 1/3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
  • يمكن أن تتدهور مكانة لندن كمركز مالي عالمي، حيث قد تفقد الشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها حقوق "جواز السفر" الخاصة بها لتوفير الخدمات المالية لبقية الدول.

كيف دمّر فيروس كوفيد 19 الاقتصاد البريطاني؟

وفقًا لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي، سوف ينكمش الاقتصاد البريطاني بمقدار الخمس خلال عام 2020 إذا استمر انتشار فيروس كوفيد 19،  يعني استمرار الإغلاق الكامل لمدة عام. وستكون هناك ضربة أكبر بكثير إذا أجبر استمرار انتشار الفيروس الوزراء على الحفاظ على اتخاذ إجراءات صارمة حتى أبريل 2021. في تلك الظروف. سينكمش الاقتصاد بنسبة 19.6٪ هذا العام، وهو ركود حاد يمثّل ثلاث أضعاف ذلك الذي عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

عند عودته إلى العمل، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه من السابق لأوانه تخفيف الإغلاق على الرغم من العلامات التي تشير إلى أن الابتعاد الجسدي أدى إلى انخفاض في عدد الوفيات في المستشفى وعدد الحالات الجديدة لـ Covid-19.

لم تفرض المملكة المتحدة حجراً إلزاميًا بالبقاء في المنزل حتى الـ 23 مارس، ولكن مع اعتماد الاقتصاد المفرط على قطاع الخدمات ومعاناة بالفعل من فوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي قد تعرض لضربة كبيرة في الربع الأوّل. وتشير التوقعات إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5٪ خلال الثلاث أشهر الأولى من هذه السنة. على أساس سنوي، تشير التقديرات إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 ٪ - وهو أكبر انكماش سنوي منذ الأزمة المالية 2008/2009.

 

 

أشار مكتب مسؤولية الميزانية، وهو الهيئة المستقلة التي تقدم توقعات اقتصادية للحكومة ، لاحتمال أن نشهد انخفاضاً بنسبة 35٪ في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني على افتراض استمرار الإغلاق الكامل حتى نهاية يونيو.

وقالت تقديرات مكتب الميزانية (OBR) إن الإغلاق لمدة ثلاثة أشهر سيدفع فاتورة الاقتراض البريطانية إلى ما يقدر بنحو 273 مليار جنيه استرليني في هذه السنة المالية، أو 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا سيمثل أكبر عجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منذ الحرب العالمية الثانية.

ومن المتوقع أيضاً أن يقفز الاقتراض، حيث قال مكتب إدارة الميزانية إن المساعدة المالية غير المسبوقة التي تقدمها الحكومة للعمال والشركات ستساعد في الحد من أي ضرر على المدى الطويل. ومن المحتمل لمعدّل البطالة أن يرتفع بنحو 2.1 مليون إلى 3.4 مليون بنهاية يونيو. في ظل هذا السيناريو، ستصل البطالة إلى 10٪، من معدلها الحالي البالغ 3.9٪، قبل أن تتراجع إلى حوالي 7.3٪ في نهاية العام. من المتوقع أيضاً أن يظل معدل البطالة مرتفعاً حتى عام 2023، وعندها من المتوقع أن ينخفض ​​إلى 4٪

أما بالنسبة لقطاع التصنيع، فقد بدأت إجراءات العزل خلال نهاية شهر مارس. وتأثر مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في المملكة المتحدة بشدة وأظهر مدى  الضرر الوبائي على القطاع. تم تعديل قراءة مؤشر مدراء المشتريات هبوطيًا إلى 32.6 في أبريل 2020 من تقدير أولي قدره 32.9. وأشارت القراءة الأخيرة إلى أشد انكماش في القطاع منذ بدء المسح في يناير 1992 ، مع انخفاض الإنتاج والطلبات الجديدة والصادرات والعمالة بوتيرة قياسية بسبب جائحة كورونا ، في حين تطول الفترات الزمنية التي أصبح يحتاجها البائعون لتنفيذ صفقاتهم.

الملخص

مع يتم إصدار البيانات الاقتصادية التابعة للمملكة المتحدّة، فربما نرى بيانات اقتصادية سيئة جداً، حيث أن الفيروس التاجي لا يترك أي بلد وصله دون دمار اقتصادي شامل. ويدور الآن سؤال مهم في الأذهان ؛ هل يمكن أن يضمن القانون البريطاني المعروف بصلابته  أن الموعد النهائي في 31 ديسمبر سيظل ساريًا رغم تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد؟ أم ستحاول المملكة المتحدة أن تعيد التفاؤض بشأن موعد جديد للتعامل مع الوباء لأن الضرر الناجم عن تفشي المرض شديد للغاية ومن الصعب احتمالها؟

 

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط